تعد الجامعة ومؤسساتها العلمية والتربوية والبحثية التابعة لها من العناصر الاساسية في قيادة المجتمع وتوجيهه التوجيه الصحيح والفاعل نحو التطور والرقي واللحاق بعجلة التغيير المتسارعة في العالم لكي يواكب هذا المجتمع تلك التطورات ويتعامل معها ويستجيب لافرازاتها في جوانب الحياة المختلفة ويستثمرها في عملية البناء والتنمية الاجتماعية الشاملة في مختلف الميادين.
وبذلك اصبح الدور الذي تقوم به الجامعة ينمو ويتعاظم مع تعقد حركة الحياة والتطورات الحاصلة فيها. واصبح هذا الدور لايقتصر على تقديم المعارف والمعلومات العلمية فقط للطالب كونه عضو فاعل في المجتمع وانما تعدى هذا الدور وتوسع ليشمل جوانب كثيرة اصبحت الجامعة مساهمة فيها بدرجة كبيرة ومؤثرة ان لم تكن مسؤولة عليها بصورة مباشرة. ان الجامعة مؤسسة علمية اكاديمية مهنية اجتماعية ثقافية لابد لها ان تخرج من اسوارها وتفتح ابوابها لتشارك المجتمع في جميع النشاطات والفعاليات التي تحدث فيه بصورة فاعلة ومؤثرة وان يكون لها الدور الريادي في ذلك وان لاتبقى حبيسة القاعات الدراسية والمختبرات والورش وتنغلق على نفسها خلف اسوار عالية تصبح داخلها برجا عاليا ليس بامكان المجتمع النفاذ الى داخلها والاستفادة من خدماتها واستشاراتها وتطبيقها في حقول العمل والانتاج المختلفة لتعطي دفعات سريعة وواسعة لحركة البناء الثقافي والاجتماعي والعلمي في محيطها وواقعها. لقد كان دور الجامعة في ضوء الفلسفة التربوية القديمة مقتصرا على استقبال الطالب وتزويده بالمعارف والمعلومات التي تنمي الجانب المعرفي لديه فقط وتكون عبارة عن عملية حشو منظمة ومخطط لها للمعلومات في ذهن الطالب دون الاهتمام بالجوانب الاخرى في شخصيته على الرغم من اهميتها الكبيرة لخلق وبناء الشخصية المتكاملة له ليكون عنصرا اجتماعيا فاعلا ومؤثرا في محيطه والوسط الذي يعيش فيه وبالتالي في مجتمعه الذي ينتمي اليه. ومن المعروف ان هناك ثلاثة جوانب رئيسة في شخصية الانسان وهي الجانب المعرفي والجانب الوجداني والجانب المهاري. وينبغي ان يتم بناء هذه الجوانب الثلاثة في الشخصية الانسانية لكي نستطيع خلق شخصية الانسان المتكاملة والمتزنة معرفيا ووجدانيا ومهاريا. وفي ضوء ذلك ينبغي ان تسير عملية البناء بصورة متوازية جنبا الى جنب ومستمرة ومتكاملة مع بعضها لان اي خلل في اي واحد من هذه الجوانب سوف يخلق شخصية انسانية غير متزنة وغير كاملة النمو بصورة صحيحة وبالتالي لاتكون فاعلة ومؤثرة في البناء الاجتماعي للمجتمع. واذا نظرنا الى المرحلة العمرية للطلبة الملتحقين بالدراسة في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي من الكليات والمعاهد التقنية نرى انها تكون في بداية بلوغ الطالب او الطالبة لسن الرشد اي عندما يبدأ تكوينه النفسي والفسيولوجي يجعله يشعر بأنه انسان مكتمل الاهلية والرشد للتصرف بصورة مستقله عما يمليه عليه الاخرون. وهذا يجعله يتصرف بالاعتماد على نفسه في مختلف المواقف الحياتية التي تواجهه ويحاول ان يحل معضلاتها من خلال وضع الحلول التي يراها مناسبة لهذا الغرض. وبالتالي فأن هذا السلوك او التصرف الذي يقوم به الطالب في الموقف الذي هو فيه ينبغي ان يكون تصرفا صحيحا وناضجا مبنيا على دراسة وتفهم عميق لكافة معطيات واوليات الموقف حتى ينسجم السلوك او التصرف مع الموقف المعني ويكون صحيحا ويؤدي الى نتائج ايجابية تعود بالفائدة على الطالب وبالتالي على المجتمع. أذن لابد للجامعة ومؤسساتها ان تأخذ بنظر الاعتبار ضرورة بناء شخصية الطالب في جميع الجوانب ونعني بها المعرفية والوجدانية والمهارية وبصورة متوازية ومتكاملة وبنفس الدرجة من الاهتمام وعدم التركيز على جانب معين واهمال الجوانب الاخرى او اعطائها اهمية اقل من غيرها لان ذلك سوف يشكل خللا واضحا في الشخصية الانسانية ونقصد بها شخصية الطالب وبالتالي قد يكون هذا الخلل مدمرا لها مما ينعكس بصورة سلبية على تصرفات الطالب وسلوكه ويعود بالضرر على المجتمع. تتميز الجامعة بكونها مؤسسة اكاديمية كبيرة لها العديد من النشاطات والمسؤوليات وتتوفر فيها فرص كثيرة ومتنوعة لبناء شخصية الطالب المتكاملة فيما لو احسن الطالب استغلال هذه الفرص والامكانيات بالشكل الصحيح والمناسب له وعدم اضاعة وقت وجوده داخل اروقتها بدون فائدة حقيقية يحصل عليها نتيجة استخدامه لكل الامكانيات التي توفرها الجامعة لطلبتها. ان اهم الجوانب في شخصية الطالب هو الجانب المعرفي والذي يتعلق بمقدار المعلومات والمعارف التي يكتسبها الطالب نتيجة دراسته في المؤسسات التعليمية ومنها الجامعات بصورة مقصودة وكذلك مايتعرض له من مواقف حياتية يتعلم من خلالها بصورة غير مقصودة وتساهم في تغيير سلوكه واضافة ملكات معرفية جديدة الى حصيلته العلمية والثقافية. حيث يعتبر من اهم مهام الجامعة هو تنمية هذا الجانب وتعزيزه وتطويره لدى الطالب خلال سنوات دراسته فيها عن طريق برامجها التدريسية التي تصممها وتنفذها لهذا الغرض. ان الفلسفة التربوية للجامعة التي يفترض ان تتبناها الجامعة في ضوء فلسفة المجتمع وتقاليده والتي ينبغي ان تضع الخطط التدريسية التفصيلية الكفيلة لتنفيذ هذه الفلسفة العامة بصورة قابلة للتطبيق تحقق الهدف التي وضعت من اجله وبما يتلائم مع امكانيات الطالب المعرفية والعقلية ويتناسب مع المرحلة العمرية التي هو فيها وينبغي عليها ان تأخذ بنظر الاعتبار تزويد الطالب بأحدث المعلومات العلمية والتكنولوجية التي توصل اليها العلم في شتى بقاع العالم والاهتمام بحافات العلم وبصورة مبسطة وميسرة له لكي يستطيع استيعابها والاستفادة منها لخدمة مجتمعه من خلال استخدام مختلف الطرائق التدريسية المشوقة والممتعة والتي تجذب انتباه الطالب اثناء المحاضرة وتزيد من دافعيته للتعلم والاهتمام بالدراسة والاستزادة من هذه المعلومات وان تعلمه طريقة التفكير العلمي لكي يستطيع من خلالها حل المشكلات التي تواجهه بأسلوب علمي دقيق ومخطط له للوصول الى نتائج صحيحة وبالتالي اتخاذ القرارات المناسبة بهذا الخصوص. وان توفر احدث المصادر العلمية من مناشئها الاصلية وترفد بها المكتبات الجامعية وان تجعلها متاحة التداول لجميع الطلبة بصورة مجانية وميسرة. ومن العناصر الاساسية لتحقيق هذا الغرض هو الاستاذ الجامعي الذي يكون له الدور الكبير والمميز في تكوين شخصية الطالب المعرفية وتنمية مواهبه العلمية والثقافية بدرجة كبيرة ومؤثرة لان الطالب وخاصة وهو في مرحلة الشباب يكون متأثرا كثيرا بشخصية الاستاذ الجامعي الذي ينهل منه المعلومات العلمية. وبذلك قد يجعله قدوه حسنة يقتدي بها ويهتم بما يقوله له ويزوده بها من معلومات اثناء المحاضرة. فالطالب يعتبر الاستاذ الجامعي خزينا كبيرا من المعلومات التي ينبغي الاستفادة منه واستغلاله بأفضل صورة لبناء شخصيته في الجانب المعرفي. وهنا يأتي دور الاستاذ الجامعي في تحقيق هذا الهدف من خلال استخدامه طرائق تدريسية كفوءة وفاعلة ومشوقة والاستفادة من التقنيات التربوية الحديثة واحدث الابتكارات العلمية لمساعدته في ايصال المادة العلمية الى ذهن الطالب بأفضل صورة واسرعها ومساعدته على الاحتفاظ بها لاطول مدة ممكنة وامكانية الاستفادة منها في حل المشكلات المستقبلية التي تواجهه. والجانب المهم الاخر في شخصية الطالب هو الجانب الوجداني او مايسمى بالجانب النفسي والذي يعتبر من الجوانب الاساسية الذي ينبغي الاهتمام به وتنميته بالاتجاه الصحيح لغرض تعديل وتطوير سلوك الطالب بما يتماشى مع العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية السائدة في المجتمع. حيث يتمثل الجانب الوجداني بأفكار الطالب وآرائه واتجاهاته وميوله ومعتقداته ونظرته حول مختلف القضايا الحياتية التي يتعايش معها بصورة مستمرة او التي تصادفه بين مدة واخرى والتي تتطلب منه اعطاء رأي فيها او تكوين اتجاه نحوها. وهذا الجانب مهم جدا في شخصية الطالب لانه من خلاله يستطيع ان يكون مواطنا صالحا وانسانا ملتزما وفاضلا او يكون بالعكس من هذا. ويقع الجزء الاكبر في بناء هذا الجانب وتوجيهه بالاتجاه الايجابي على عاتق الجامعة بمختلف فعاليتها والاستاذ الجامعي. وهذا يرتب على الجامعة مهمة تطوير اتجاهات الطالب وافكاره ومعتقداته بالاتجاه الايجابي في ضوء العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية السائدة في المجتمع والتي تستلهم روح العصر وافرازات التطور العلمي والتكنولوجي في العالم بصورة واعية وصحيحة من خلال اعدادها لخطة منظمة ودقيقة لتنمية اتجاهات الطالب نحو مختلف القضايا وتجعله صاحب رأي صريح وجريء وموقف محدد وايجابي وقادر على ابداء الرأي في الوقت المناسب وأن يحترم تقاليد وعادات مجتمعه ومباديء دينه السمحاء والاخلاق الفاضلة وان يكون حريصا على وطنه والمساهمه في بناءه وتطويره من اجل اللحاق بصورة سريعة بركب الحضارة العالمية ومفرداتها المختلفة. وهذا يتم من خلال اهتمام الجامعة بالنشاطات الاعلامية التي تعمق الاتجاهات الايجابية عند الطالب واعدادها برامج متعددة لهذا الغرض يستطيع من خلالها الطالب معرفة حضارة بلده وعظمتها ومباديء دينه السمحاء بدرجة تثير اعجابه بها وكذلك تقديره لعظمة الخالق العظيم سبحانه وتعالى وجهود العلماء والمفكرين الذين وضعوا لبنات اساسية في بناء الحضارة البشرية وتطويرها واعلاء شأنها من خلال اكتشافاتهم واختراعاتهم العلمية وفي شتى الميادين واصناف العلوم. كما تساهم هذه البرامج في تزويد الطالب بما يحتاجه لغرض السيطرة على حالته الانفعالية وعدم تسرعه باصدار الاحكام على الامور والاشياء التي تصادفه وعدم اتخاذ القرارات بشأنها بصورة مستعجلة وآنية دون دراسة وافية وتفحص دقيق لحيثيات الموقف ومسبباته ونتائجه المحتلمة ومدى تأثيراتها. وبذلك سوف يصبح الطالب متزنا انفعاليا ولديه اتجاهات ايجابية نحو مختلف القضايا وملتزما بمباديء وعادات وتقاليد دينه ومجتمعه ومستعدا لخدمة بلده والارتقاء به الى مصاف الدول المتقدمة. وينبغي على الجامعة ان تساهم بصورة فاعلة في تنمية روح المواطنة الصالحة وحب الوطن لدى الطالب واستعداده لخدمته والدفاع عنه واعلاء شأنه بين البلدان وان تجعله يشعر بأن انتماءه لوطنة انتماءا ابديا وحبه له حبا ازليا واستعدادا راسخا لخدمته وتطويره والتفاعل مع ابناء مجتمعه لينصهروا في كيان واحد متماسك هو الوطن. كما على الجامعة ان تسعى بصورة فاعلة الى تنمية روح الالتزام لدى الطالب بتعاليم دينه السمحاء والعمل بموجب اوامر الله سبحانه وتعالى وطاعته والابتعاد عن المعاصي والذنوب والاهتمام بجواهر الامور وترك قشورها الفارغة لانه اذا صلح ايمان الطالب والتزامه بدينه وخوفه من خالقه صلحت معظم الامور والجوانب الاخرى في شخصيته ان لم تكن جميعها وكان انسانا متكاملا ومتزنا ومسؤولا بدرجة كبيرة. والجانب الثالث المهم في شخصية الطالب هو الجانب المهاري او مايسمى الجانب العملي والذي يتعلق بقدرة الطالب المهارية على التعامل مع المواقف التي تتطلب القدرة على ادائها بصورة عملية. وهذا جانب مهم واساس لكي تكون الشخصية الانسانية متكاملة لان الطالب يحتاج في حياته العملية والمواقف التي تواجهه الى المهارة اليدوية في العمل وخاصة في الوقت الحاضر الذي يشهد ثورة علمية وتكنولوجية كبيرة شملت جميع مفاصل الحياة والقت بظلالها في جميع مواقع العمل والانتاج. وهذا يستدعي ان تكون هناك مهارة عملية لدى كل الاشخاص العاملين لكي يتمكنوا من التعامل مع الاجهزة والمعدات والادوات بصورة دقيقة وصحيحة واستيعاب افرازاتها لكي تسير الاعمال بصورة صحيحة ويساهموا بصورة فاعلة في عملية التنمية والبناء في المجتمع. ويبرز دور الجامعة المهم والكبيرفي تنمية المهارات العملية للطالب من خلال برامجها التدريبية التي تكون موازية للتدريس النظري ومكملة له لتزويد الطالب بالمعلومات العملية والنظرية التي تفيده في مجال اختصاصه وتنمي معلوماته النظرية والعملية العامة. وهذا يتطلب من الجامعة ان تساير التطور العلمي والتكنولوجي في العالم بدرجة كبيرة وان توفر احدث المستلزمات التدريبية من الاجهزة والمكائن والمعدات وفي مختلف التخصصات العلمية وان تضع خطط منظمة ودقيقة لتطوير البناء المهاري للطالب خلال تواجده فيها اثناء الدراسة. وينبغي على الجامعة وضع الخطط والبرامج الكفيلة بتنمية المهارات الرياضية والفنية لدى الطالب من خلال اقامة النشاطات الرياضية التي تساهم بصورة فاعلة في بناء اجسام الطلبة رياضيا وتمنحهم القدرة والقوة على العمل والصحة الجيدة لان العقل السليم في الجسم السليم. كما تهتم الجامعة بتنمية النشاطات الفنية للطالب مثل الرسم والخط والنحت وغيرها عن طريق اقامة المعارض الفنية والانتاجية بصورة مستمرة لتنمية الجانب المهاري لدى الطالب والحس والذوق العام. وعلى ذلك تكون الجامعة عبارة عن تجربة حياتية متكتملة يعيشها الطالب خلال سنوات دراسته فيها بكل تفاصيلها وعليه ان يستفيد من مولقفها ويتفاعل معها وينقلها الى مجتمعه الاكبر عندما ينخرط في الحياة العملية بعد التخرج او اثناء الدراسة. فالجامعة مصنعا لاعداد المواطنين الصالحين الاكفاء وموقعا للعلم والثقافة وصناعة الحياة وبناء شخصية الطالب.