[ قدومه صلى الله عليه وسلم قباء ]
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عويمر بن ساعدة قال حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : ( لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وتوكفنا قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا ، وذلك في أيام حارة . حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت فكان أول من رآه رجل من اليهود ، وقد رأى ما كنا نصنع وأنا ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ، فصرخ بأعلى صوته يا بني قيلة ، هذا جدكم قد جاء . قال فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل نخلة ، ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر ، حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك).
[ منازله صلى الله عليه وسلم بقباء ]
قال ابن إسحاق : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - على كلثوم بن هدم ، أخي بني عمرو بن عوف ، ثم أحد بني عبيد : ويقال بل نزل على سعد بن خيثمة . ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم : إنما ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة ) وذلك أنه كان عزبا لا أهل له وكان منزل الأعزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين ، فمن هنالك يقال نزل على سعد بن خيثمة ، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة : بيت الأعزاب . فالله أعلم أي ذلك كان كلا قد سمعنا .
[ منزل أبي بكر بقباء ]
ونزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خبيب بن إساف ، أحد بني الحارث الخزرج بالسنح .
ويقول قائل كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج .
[ منزل علي بن أبي طالب بقباء ]
وأقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها ، حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها ، لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن هدم .
[ ابن حنيف وتكسيره الأصنام ]
فكان علي بن أبي طالب ، وإنما كانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين يقول كانت بقباء امرأة لا زوج لها ، مسلمة . قال فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها ، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه . قال فاستربت بشأنه فقلت لها : يا أمة الله من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك ؟ قالت هذا سهل بن حنيف بن واهب قد عرف أني امرأة لا أحد لي ، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ، ثم جاءني بها ، فقال احتطبي بهذا ، فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف ، حتى هلك عنده بالعراق .
قال ابن إسحاق : وحدثني هذا ، من حديث علي رضي الله عنه هند بن سعد بن سهل بن حنيف ، رضي الله عنه .
[ بناء مسجد قباء ]
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء ، في بني عمرو بن عوف ، يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده.
[ خروجه صلى الله عليه وسلم من قباء وسفره إلى المدينة ]
ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة . وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك فالله أعلم أي ذلك كان . فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف ، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي ، وادي رانوناء ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة .
[ اعتراض القبائل له صلى الله عليه وسلم تبغي نزوله عندها ]
فأتاه عتبان بن مالك ، وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف ، فقالوا : يا رسول الله . أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة قال { خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة } لناقته فخلوا سبيلها ، فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني بياضة ، تلقاه زياد بن لبيد ، وفروة بن عمرو ، في رجال من بني بياضة فقالوا : يا رسول الله هلم إلينا ، إلى العدد والعدة والمنعة قال { خلوا سبيلها فإنها مأمورة } فخلوا سبيلها .
فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة ، اعترضه سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، في رجال من بني ساعدة ، فقالوا : يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال { خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة } فخلوا سبيلها ، فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني الحارث بن الخزرج ، اعترضه سعد بن الربيع ، وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة ، في رجال من بني الحارث بن الخزرج فقالوا : يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة قال { خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة } فخلوا سبيلها .
فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار ، وهم أخواله دنيا - أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو ، إحدى نسائهم - اعترضه سليط بن قيس ، وأبو سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي بن النجار ، فقالوا : يا رسول الله هلم إلى أخوالك ، إلى العدد والعدة والمنعة قال { خلوا سبيلها فإنها مأمورة } فخلوا سبيلها ، فانطلقت .
[ مبرك ناقته صلى الله عليه وسلم بدار بني مالك بن النجار ]
حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار ، بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار ، ثم من بني مالك بن النجار ، وهما في حجر معاذ بن عفراء ، سهل وسهيل ابني عمرو .
{ فلما بركت ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينزل وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت إلى خلفها ، فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت وزمت ووضعت جرانها ، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عن المربد لمن هو ؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو يا رسول الله لسهل وسهيل ابني عمرو ، وهما يتيمان لي ، وسأرضيهما منه فاتخذه مسجدا }.
[ بناء مسجد المدينة ومساكنه صلى الله عليه وسلم ]
قال فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى مسجدا ، { ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل فيه فعمل فيه المهاجرون والأنصار ، ودأبوا فيه } فقال قائل من المسلمين :
لئن قعدنا والنبي يعمل
لذاك منا العمل المضلل
وارتجز المسلمون وهم يبنونه يقولون :
لا عيش إلا عيش الآخره
اللهم ارحم الأنصار والمهاجره
قال ابن هشام : هذا كلام وليس برجز .
قال ابن إسحاق : فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {{ لا عيش إلا عيش الآخرة ، اللهم ارحم المهاجرين والأنصار }}.